فلنأخذ موضوع التوثيق خطوة أكثر نحو
الأصعب... فلنتحدث عن الاستشهاد Citation،
وحتى لا يسرح خيالك، أتكلم هنا عن الاستشهاد بمصادر مثل جمل من كتب، أو أقوال
لكتاب أو صحفيين أو غير ذلك.
كل باحث أكاديمي
يعلم تمام العلم أن الأستاذ (البروفيسير) الذي سيناقش بحثه سيفتح كل مرجع من
مراجعه، ويتأكد من صحة الاستشهاد، ونسبته (أي أنه منسوب لمن هو منسوب إليه فعلاً)،
ومن صحة النقل، وعدم وجود أخطاء في الترجمة أو غيرها، مما قد يؤدي إلى اختلاف
المعنى المقصود. ولهذا، تجد أن كل جملة يخضعها الباحث للتحقيق والتدقيق مرات
عديدة، ولهذا أيضاً تجد الكثير من الحواشي في كل صفحة تقريباً، تذكر المرجع
والصفحة والطبعة التي أخذ منها الباحث هذه العبارة أو تلك.
وصدقوني إذ أقول ـ
بدون إثباتات ـ أن غاندي لم يقل: "ماتقفش قدام المروحة وانت لسة مستحمي"
ولا أوباما قال: "يا داخل بين البصلة وقشرتها..."، ولا حتى جيفارا
قال:"الوسادة الخالية .. تعبت مني يا غالية"!
المشكلة تبدأ عندما
تريد أن تتأكد ـ مثلاً ـ من أن طه حسين قد قال: إن القرن
الثانى للهجرة "كان عصر شك ومجون وعصر افتتان وإلحاد عن الأخلاق، والعادات الموروثة
والدين". ببساطة لأن
كاتب المقال لم يستشهد بمصدر لهذه العبارة التي قام بنسبتها لطه حسين، مثلاً.
وهنا تبدأ المشكلة
الحقيقية. فلطه حسين العديد من المؤلفات، والآلاف من المقالات، والتصريحات
والحوارات وغيرها. فمن أبدأ البحث لتحديد ما إذا كان حقاً قد قال هذه العبارة أم
لا؟
بالطبع لو أن كاتب
المقال كان ذكر المصدر، لكان الأمر أهون. ولكن، لحسن حظ هذا الجيل، فإن لعنة فيض المعلومات التي نعيشها، أتت مع
نعمة سهولة البحث عن المعلومة بشكل كبير. شخصياً، سأبدأ بالبحث عن العبارة موضع
الشك، لعلي أجدها في موقع قد ذكر مصدرها. وسآخذ كامل العبارة، وأضعها بين علامتي
تنصيص، إلى جوجل.
لم يعد لي البحث
بكثير من النتائج، تحديداً سبع نتائج، ولكن الإشارة في معظمها كانت واضحة إلى أن
النص المذكور هو من كتاب "حديث الأربعاء". ولكن لم يذكر أحد من أي جزء
من الكتاب، ناهيك عن تحديد الصفحة أو الطبعة. (لمن لا يعرف، تختلف محتويات الكتب
باختلاف الطبعة، لأن الطبعات تحمل في طياتها ـ في كثير من الأحيان ـ معلومات
إضافية، أو توضيح، أو حتى فصول أو أبواب تتواكب مع بعض المتغيرات التي طرأت على
موضوع الكتاب في الفترة ما بين طبعة والتالية لها).
"حديث الأربعاء" كتاب من ثلاثة أجزاء يدور حول الشعر القديم. وهو ليس من الكتب
الكبيرة، والبحث فيه ليس صعباً. إذا لم تكن محظوظاً باقتناء الكتاب، فيمكنك بسهولة
إيجاد نسخ مصورة منه على الشبكة في الكثير من الأماكن. الجزء الثاني من الكتاب،
طبقاً لجدول محتوياته هو المطلوب، حيث يتحدث عن العصر العباسي (ضمن عصور أخرى).
ولهذا، وبالتوجه إلى الباب الخاص بالعصر العباسي، والتصفح قليلاً، أجد النص
المذكور في الصفحة 24:
وبالتالي، تصح لدي
نسبة العبارة إلى طه حسين، ولكني سأقوم ـ إذا قمت بعمل مشاركة أو إعادة نشر لهذا
النص ـ بذكر المصدر بوضوح، وذلك لسببين هامين: الأول: التسهيل على من يريد توثيق أو
التوثق من المعلومة، والثاني: إتاحة الفرصة لمن يريد الاستزادة، أو معرفة سياق
الكلام. ,كنت قد اخترت هذه العبارة التي يمكن بسهولة ترجمتها على كثير
من المعاني أو إسقاطها على كثير من النوايا السيئة عامداً! وأعتقد أن قراءتها في سياقها
الآن يعطي القاريء انطباعاً مختلفاً عن ذلك الذي تشكل عنده وقت قراءتها للمرة
الأولى مجردة من السياق.
ملحوظة: ورد النص المذكور في أكثر من موضع من الكتاب، بصياغات قد تتقارب أو تتباعد مع الصياغة المذكورة قليلاً أو كثيراً، وما ورد في هذه الصفحة ـ على الرغم من اختلافه في الصياغة ـ يمثل عينة فقط.
ملحوظة: ورد النص المذكور في أكثر من موضع من الكتاب، بصياغات قد تتقارب أو تتباعد مع الصياغة المذكورة قليلاً أو كثيراً، وما ورد في هذه الصفحة ـ على الرغم من اختلافه في الصياغة ـ يمثل عينة فقط.