الخميس، 5 يوليو 2012

فلنُوثـِّق: الأحاديث والأحاديث القدسية


ليست الأخبار وحدها يتم تزييفها على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن الكثير من الأحاديث والآثار، والأقوال المأثورة وغيرها. ربما بحسن نية، ربما لا .. المهم ألا تقوم أنت بنشرها إلا وأنت واثق من صحتها.

الأحاديث الشريفة تكون الأسوأ، فكلنا يعلم عاقبة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا وجب التحقق منها قبل نشرها أو مشاركتها.

ومن الجميل أن التحقق من أي حديث في المتوسط لا يتجاوز دقيقة أو دقيقتين. فالكثير من العلماء قد قاموا بهذا العمل عنك، وقاموا بنشر نتائج تحقيقهم في كتب، ثم على الإنترنت. ويكفي أن تقوم بالبحث ببضع كلمات من الحديث، مع كلمة "ما صحة" لتحصل على نتائج متعددة. حاول الابتعاد عن المنتديات وغيرها، والتزم بالمواقع ذات الثقة، مثل طريق الإسلام، أو إسلام ويب، أو المواقع الرسمية لكبار العلماء من أمثال ابن عثيمين وابن باز وغيرهم.

وللحصول على نتائج بصورة أسرع، ضع جزءاً من نص الحديث بين علامتي تنصيص، لتجبر محرك البحث على إيجاد نتائج أكثر دقة. وتذكر أن تبحث عن كلمات مميزة لهذا الحديث، فمثلاً إذا بحثت بعبارة "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر" فستحصل على ملايين النتائج لمئات الأحاديث المختلفة، فحاول البحث باستخدام عبارة مميزة.

وسآخذ هنا مثالاً بسيطاً، وهو حديث قدسي انتشر كثيراً في مواقع التواصل:

"قال الله تعالى: إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية 
"
الحديث قصير، ويمكن البحث بكامل نصه، أو بجزء منه. شخصياً أفضل أن أبحث بجزء مميز، ببساطة لأن النقل قد يسبب تغييراً في بعض الألفاظ، مما قد يصعب عملية البحث.

بالبحث في جوجل:

ما صحة "إذا أطعت رضيت"


أجد النتيجة الأولى من موقع طريق الإسلام، في تسجيل صوتي للشيخ محمد ابن عثيمين، يقول نص الفتوى:

"هذا الحديث بلفظه لا أعرف عنه شيئاً، لكن لا شك في أنه إذا أطيع فإن طاعة الله سبحانه وتعالى سبب في رضاه، ورضاه سبب في كل خير وبركة. قال الله سبحانه وتعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً" وقال الله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب"

نفس الفتوى وجدت في النتيجة السادسة للبحث من موقع ابن عثيمين نفسه.

وهكذا لم يستغرق الأمر سوى بضع ثوان لأتوقف عن نشر هذا الحديث.


إمعاناً في التوثيق، ولأن فتوى ابن عثيمين جاءت بنص (لا أعرف عنه شيئاً)، بحثت بعبارة:

تخريج الحديث "إذا أطعت رضيت"

لأجد النتيجة الثالثة وصلة إلى كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (لابن القيم)، في موقع إسلام ويب. ونص الفقرة الأخيرة من فصل ضرر الذنوب في القلوب كضرر السموم في الأبدان:

وذكر الإمام أحمد: عن وهب قال الرب عز وجل: قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل: إني إذا أدعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد"

فتوجهت إلى مسند الإمام أحمد (من موقع إسلام ويب أيضاً)، وبحثت فيه عن هذا الحديث فلم أجده.

الاستنتاج: هذا ليس حديثاً قدسياً، ولا أثر أو حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول حكاه وهب، وحكاه عنه الإمام أحمد (ربما في أحد كتبه غير المسند)، ثم استشهد به ابن القيم في موعظة عن ضرر الذنوب.

الخلاصة: هو ليس بحديث.

وهكذا، وحتى بعد البحث التفصيلي، لم يستغرق الأمر عدة دقائق. – النتيجة: لن أنشره كحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق